إن تحديد طبيعة الدراسات الاتصالية المتعلقة بجمهور وسائل الإعلام تتوقف على معالجة العوامل الرئيسية المحركة لها وعلى أهداف الجهة الممولة كما نتوقف على طبيعة العلاقة القائمة بين الجمهور و مقرري السياسة الإعلامية للمؤسسة أو النظام الاجتماعي السياسي. تعمل وسائل الإعلام في إنتاج رسائل إعلامية معينة لجمهور معين لتحقيق أهداف معينة .
وعلى الرغم من أهمية الإطار الإيديولوجي و السياسي في تحديد طبيعة الجمهور إلا انه لا يعتبر الطرف النهائي في تحديد العملية الاتصالية ونقتصر على معالجة العوامل المؤثرة في هذه الدراسات و أهم نظريات تكوين الجمهور
1.عوامل تطوير دراسات الجمهور:
و تتمثل في أربعة عناصر متداخلة في أسبابها ووسائلها ومختلفة في أهدافها :
أ)الدعاية :
احتلت الدعاية مجالا واسعا عن طريق الصحافة المكتوبة والسينما المتنقلة ولاسيما أثناء الحرب العالمية الأولى(1914-1918) و الثانية (1939-1945) لتشمل عدد اكبر من أفراد المجتمعات الجماهيرية التي تعيرها النظريات الفلسفية و السيكولوجية على أنهم مجرد تجمعا ت بشرية إذ يتحكم فيها القادة الأقوياء واستمرت الدعاية كمحرك نشيط لدراسات الجمهور إلى الوقت الراهن مع اختلاف الأساليب و الأهداف باختلاف المراحل التاريخية التي أعقبت الحرب العالمية الثانية. اعتمدت دراسات الجمهور على نتائج أبحاث العلماء وفلاسفة السيكولوجية و السوسيولوجية و الأثنية أمثال دروس فرويد، ماركن،وآخرون الذين وضعوا نظريات حول الطبيعة البشرية الفردية و الجماعية وتفاعلاتها النفسية و الاجتماعية محاولة لفهم الشعوب مثلا : النازية،الفاشية ، الشيوعيون،والليبراليون واستمرت الدعاية إلى غاية انهيار المعسكر الشيوعي في نهاية الثمانيات .
ولا تزال الدعاية الإيديولوجية للأحزاب و التيارات الفكرية واحدة من العوامل المنشطة للدراسات المنتصبة على الجمهور سواء بالحملات الانتخابية الدورية و الظرفية لاستمالة الرأي العام لفرضه قضايا و أفكار معينة بأساليب دقيقة وعالية في إعداد أو إنجاز الحملات واستفتاء في الرأي العام ونشاطات العلاقات العامة الرامية إلى تحسين صورة الشخص أو المؤسسة أو النظام لدى الجمهور .
ب)الإشهار:
يعتبر الإشهار والإعلانات التجارية المحرك البارز في إعطاء دفع قوي لدراسات الجمهور سواء نعلق الأمر بالمعلنين أو الناشرين أو موزعي الرسائل الاشهارية على الجمهور.
عرفت أبحاث الجمهور تطورا في و م أ بعد الحرب العالمية 2 ليصبح ميدانا متخصصا يستجيب نموه لاحتياجات مجموع صناعي إلكتروني يركز على الجانب السمعي .
و مع انتشار ظاهرة "كونية" (النشاطات الإعلامية ) و باستعماله المكثف لتكنولوجيات الإعلام الجديدة والتي تعمل على طابع الكونية على الجمهور (عولمة globalisation) بالموازاة مع عالمية الاقتصاد والثقافة الاستهلاكية و الحملات التسويقية أصبح بالإمكان دراسة هذا الشكل من الجمهور المتعرض للرسائل الاشهارية من القنوات الفضائية ومواقع شبكة الويب .
إن العلاقة بين الإشهار والدعاية يكاد تختفي أهمية التفرقة بينهما إذ هناك ارتباط وثيق بينهما فالإعلانات هي بشكل أو آخر دعاية للبضاعة أو خدمة وهي في نفس الوقت تحمل مضامين بيولوجية و ثقافية سائدة في مجتمعات معدي ومرسلي الرسائل الاشهارية.
ج)الرأي العام:
يعتبر عامل من عوامل تنشيط دراسات الجمهور و الاستجابة لفكرة الديمقراطية حيث تعمل الحكومات على كسب تأييد رعاياها في القرارات و المحافظة على قبول الرعايا ومصالحهم تحسبا للانتخابات اللاحقة و تعمل الأحزاب السياسية و الأشخاص المتنافسة على السلطة تخصيص أموال معتبرة للحملات الإعلامية بتمويل الصحف و وسائل الإعلام الأخرى قصد كسب الرأي العام لصالحهم.
كان ظهور دراسات الرأي العام كلازمة للأنظمة الديمقراطية ثم تلتها دراسات الجمهور مع انتشار وسائل الإعلام كمظهر من مظاهر ممارسة الديمقراطية. و قد تكثفت بحوث الجمهور خلال النصف الثاني من القرن 20 ضمن تطور الدراسات الإعلامية بصفة عامة حتى أصبحت صناعة قائمة بحد ذاتها متخصصة في قياس الرأي العام تعمل لحساب الأحزاب و الحكومات و المصالح المالية و التجارية بم فيها وسائل الإعلام نفسها.
و في نفس السياق تأثير الأفكار الجديدة حول الأجيال الجديدة لحقوق الإنسان في تطور دراسات الجمهور خاصة بعد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان سنة 1948 الذي أنشأ الجيل الجديد الحق في الإعلام و الحقوق المجاورة و المشابهة و أصبح هذا الحق قانونيا في 1966 بعدما كان حقا نظريا في 1948 حيث من حق الجمهور أن يطلع على المعلومات و الآراء التي تلبي حاجاته و تستجيب لاهتماماته لذا استوجب فرض دراسات لمعرفة احتياجات الجمهور الإعلامية المتغيرة بتغير ظروف المكان و الزمان بصرف النظر عن كونه مستهلكا أو ناخبا.
د)الاحتياجات العلمية:
برزت الحاجة إلى دراسة جمهور وسائل الإعلام دراسة معمقة لأهداف علمية أكاديمية في النصف الثاني من القرن العشرين بعد التقدم الهائل في الدراسات المتعلقة بنظام مصادر الرسائل الإعلامية و مضامينها و وسائل الإعلام و الآثار التي قد تحدثها في سلوكيات الجمهور. فالكم الهائل من الدراسات التسويقية و توجهات الرأي العام وفرت جوا للمقاربات الامبريقية مما دفع بالباحثين الإعلاميين إلى اختبار و إعادة صياغتها من أجل إثراء مشروع النظري العلمية للإعلام و الاتصال و قد ازداد الاهتمام بهذه الدراسات و الحاجة إليها بعدما تبنت دول العالم الثالث أفكار الحداثة و التنمية و قدرات وسائل الإعلام على المساهمة في عملية الانتقال من المجتمعات التقليدية إلى المجتمعات الحديثة وفقا لنظرية الإعلام الإنمائي و قد تجسد ذلك في إنشاء معاهدة متخصصة في الدراسات الإعلامية على مستوى أغلب جامعات تلك الدول تحت إشراف اليونسكو على برامجها.
و كانت البداية الفعلية للاهتمام العلمي بجمهور وسائل الإعلام مع ظهور فكرة الوظيفة التعليمية لوسائل الإعلام إذ أجرى علماء النفس السلوكي بحوثا يسرت نظريات التعليم واستعمال وسائل الإعلام في لأغراض تعليمية و تدريبية لذلك نجد جل الباحثين في المجتمعات الحديثة العهد بالاتصال يكتفون بدراسات تعليمية للحصول على درجة علمية أو ترقية مهنية.