سيميوطيقا الصورة سيميوطيقا الصورة"سقوط النظام العراقي نموذجا"

الأستاذة آمال منصور

قال ALVARDO MUTIS: »تبصّر تبصّر حتّى تغيب عنك ذاتك «
Regarder, regarder, jusqu’à ne plus être soi même
مقدمة:
عندما يسقط الحلم و تنهار الذّات إثر فجيعتها الكبرى و فضيحة التاريخ، حين تتشوّه الآمال و ترمى الأنظمة العربيّة في مزبلة الزمن الحاضر و الآتي، تتحوّل الرسالة البصرية "L’image Médiatique" بكافة أنواعها أداة مركزية من أدوات الصراع.
هذا الصراع الذي يدور رحاه بين من يملكون مفاتيح العالم و من لا يملكون، معركة تسيطر فيها الدول الصناعية الكبرى، و تغيب فيها النخب العربيّة غيابا شبه كلي.
فمنذ مدة طويلة ظلت الخطابات الإعلامية تركّب و توجّه و تسوّق من قبل الآخر الذي أدرك تماما سرّ النجاح، فكما يقول "MARTINE JOLY": »إنّ حضارة اليوم هي حضارة الصورة بحق، إنّها تميّز حاضرنا اليوم (1)« .
و نظرا لاكتساح الصورة بتجلياتها المختلفة العالم الراهن، أصبح تحليلها مجالا مهما من مجالات البحث، كما تحوّل "المنهج السيميولوجي" الأداة الناجعة للكشف عن دلالاتها، »لأنّ السيميولوجيا جاءت لتقريب العلوم الإنسانية من حقل العلوم التجريبية و إعادة المعنى غير المرئي للصورة و الإنسان و التاريخ (2)« .
» كما أنّ مجمل الدلالات التي تثيرها الرسالة البصرية ليست وليدة مادة تضمينية دالة
و معان قارة و مثبتة في أشكال لا تتغيّر، و إنّما هي أبعاد أنثروبولوجية و اجتماعية و فطرية إنسانية (3)« و سياسية.
لقد كان سقوط " تمثال الرئيس العراقي" حدثا هزّ الوجدان العربي، حيث تمّ تسويقه للعالمين العربي و الغربي بقدر كبير من الذكاء و المهارة الإعلاميين، استغل فيها العدو جميع طاقاته التقنية السمعية البصرية الحديثة، فهي تفوق "حرب الخليج الثانية" على حد قول الكاتبة الأمريكية "سوزان سونتاغ": » حوّلت الحرب إلى لعبة فيديو شغلت البلاد
و أثارت المهتمين بالتكنولوجيا (4)« .
إنّ الحرب على العراق هي من أكثر الحروب ممارسة للتضليل و التوجيه عن طريق التقنية، لذلك تعمّدنا في هذه الدراسة أن نكشف هذا الجانب باستعمال المنهج السيميولوجي
و تحليل المحتوى "l’analyse de contenu".
1- ماهية الصورة: الاستخدام و الدلالة
La notion d’image : usage et signification
1-1- مفهومها:
في اللاتينية هي من imago, imaginis و تعني أخذ مكان شيء ما qui signifie qui prend la place de حيث كان القدماء يستعملون مرادفات عديدة لها مثل effigie أو simulacre.
يعرفها أفلاطون – بدءا- بأنّها »تلك الظلال، أضف إليها البريق الذي نراه في الماء أو على سطوح الأجسام الجامدة التي تلمع و تضيء، و كل نموذج من هذا الجنس (5)« .
و في العصر الحاضر يقر Martine Joly بأنّ تعريفها صار شيئا صعبا، لأنّه
لا يمكن إيجاد تعريف شامل لكل استعمالاتها مثل: رسومات الأطفال dessin d’enfant، الأفلامles films ، الرسومات الجدارية أو الانطباعية une peinture pariétale ou impressionniste، المعلّقات les affiches، الصورة الفكرية une image mentale ، صورة العلامة التجارية une image de marque commerciale ، لكن ما يجب التأكيد عليه أنّها مهمة جدا في التواصل الثقافي.
و في قاموس "روبير" ROBERT تعرّف بأنّها »إعادة إنتاج طبق الأصل أو تمثيل مشابه لكائن أو شيء « .
و هنا يحيل أصل المصطلح الاشتقاقي على فكرة النسخ و المشابهة و التمثيل، أما في الاصطلاح السيميوطيقي فإنّ الصورة تنضوي تحت نوع أعم يطلق عليه، و هو يشمل العلامات التي تكون فيها العلاقة بين الدال هنا ICONE (الأيقون و المرجع) قائمة على المشابهة و التماثل(6).
لكن ما يثير السؤال: هل الصورة نظام دال؟ و إذا كانت كذلك فكيف لها أن تشكل المعنى؟ و ما حدوده؟
هنا نجد طرحين متعارضين:
أ‌) فرولان بارت "ROLAND BARTHES" يقرّ بأنّ "العالم أخرس و لا يتكلم إلاّ عبر اللّغة"؛ يعني أنّ الأشياء عاجزة عن التعبير إلاّ عن طريق اللّغة، صحيح أنّ الألبسة
و الأطعمة و السلوك بإمكانها أن توحي، إلاّ أنّها لا تكتسب قيمتها الدلالية إلاّ بعد مرورها بالمؤسسة اللّغوية، و كذلك هي السينما و الإشهار و التصوير الفوتوغرافي، فالمادّة البصرية- حسب بارت- لا تعبر إلاّ إذا صاحبتها الرسالة اللّفظية، و بذلك يتوصّل بارت إلى نتيجة مفادها أننا نعيش حضارة الكتابة أكثر من أي وقت مضى بالرغم من اجتياح الصورة لحياتنا.
ب‌) أمّا إيريك بويسونس "ERIC BUYSSENS " فيعترف صراحة بوجود أنسقة علامية غير لسانية مستقلة و تامّة مثل الرموز العلمية و المنطقية و إشارات المرور، و كذلك الإشارات التي يتداولها الهنود الحمر للتواصل بين القبائل، و دقّات أجراس الكنائس
و الأبواق العسكرية و لوائح القطارات و الدلائل السياحية؛ جميع هذه الإشارات بإمكانها أن تعبّر دون أن ترتبط بأي نسق لساني.
يضيف "بويسونس" أنّ الأنظمة التواصلية السمعية أكثر فعالية في التواصل من الأنساق البصرية، و يمثّل لذلك بأنّ الرضيع يدرك في سن مبكرة جدّا أنّ إيماءاته و حركاته لا تلفت نظر الأم إليه، خلافا للصراخ الذي يستقدمها حتّى و إن كانت غائبة عن مجال بصره.
و من هنا يستنتج "إيريك" القاعدة الآتية »الصورة نسق دلالي قائم الذات. «
كما يدعّم هذا الطرح بورشر "L. PERCHER" قائلا: ليس من الثّابت أنّ الرسالة الأيقونية تلعب وظيفة حشوية بالنظر إلى اللّغة. و لعلّ أوضح دليل على ذلك وجود أفلام صامتة كلّيا و لكنّها تفهم، ثمّ لماذا لا تكون الرسالة اللّفظية هي التي تقوم بالوظيفة نفسها لصالح الصورة؟
أعتقد أنّ الموقف الذي انتهجه "بارت" كان نتيجة طبيعية لنظرته في تصنيف السيميولوجيا، ففي الحين الذي نظر فيه كل السيميائيين- و على رأسهم فرديناند دي سوسير- إلى أنّ اللسانيات جزء من السيميولوجيا، أصر بارت على العكس، و هذا إيمانا منه بأنّ الأنساق غير اللّغوية، لا يمكنها أن توحي دون لغة، أي »أنّ الباحث مضطر لاستعمال اللّغة لتحليل جميع السيرورات الدلالية/ التواصلية « أضف إلى ذلك أنّ السيميولوجيا- ستبقى قاصرة دون استعمال مناهج و مفاهيم اللّسانيات.
هذا الطرح يولّد إشكالية مهمة- عسى أن ينجح هذا البحث في إضاءتها-هي: هل الصورة الإعلامية لغة أم لغة واصفة métalangue ؟ و إذا كانت الصورة لغة واصفة، فتحليل الصورة ماذا يعد إذن؟ هل هو لغة واصفة لخطاب واصف أم هو شيء آخر؟
1-2- أقسامها:
إنّ الصورة الفوتوغرافية في المقام الأوّل – عند بارت- خطاب تناظري خالي من السنن و غير قابل للتقطيع(10). و هي أيضا خطاب حرفي و رمزي في الآن ذاته.
يمكننا أن نقدّم المخطط الآتي تلخيصا لطرح "MARTINE JOLY" في كتابه "مقدمة لتحليل الصورة Introduction à l’analyse de l’image":

L’image médiatique

les enluminures video

une peinture pariétale ou
impressionniste

les fresques
des affiches

1-3- اشتغال مكونات الصورة الفوتوغرافية:
إنّ الصورة مثل أي نظام دلالي يتضمّن مستويين:
- مستوى التعبير(E)
- مستوى المحتوى (C)
- (R) هي التقرير، و يمكن أن يصبح عنصرا ثانويا في نسق آخر و ذلك من خلال عمليتين مختلفتين:
الأولى: يصير النسق الأوّل نسقا ثانويا على صعيد عبارة النسق الثاني RC(ERC)،
و عندها نكون أمام لغة إيحائية.
الثّانية: يصبح النسق الأوّل نسقا ثانويا على صعيد محتوى النسق الثانيER(ERC)،
و تلك طبيعة اللّغة الاصطناعية(اللّغة الشارحة métalangue)(11).
الأولى: E C R 2
(ERC) 1
الثانية: E R C 2
(ERC)
و بذلك يفرق بارت بين: التقرير(dénotation)، الإيحاء(connotation)، الميتالغة métalangue)):

تـــقريــــر إيــحــاء ميــتـالغـــة
لقد عمل "بارت" في كتابه "أساطير" MYTHOLOGIE عام 1957 على بيان سلطة الصورة، فإذا كانت » اللّغة (بالنسبة إليه) نتاج تواضع جماعي فهناك أيضا لغة فوتوغرافية متواضع عليها تشتمل على علامات و قواعد و دلالات لها جذور في التمثلات الاجتماعية
و الأيديولوجية (12« .
إنّ الفوتوغرافيا تبقى عند "بارت" إرسالية حاملة لإرسالية ثانية هي ما يسميها أسطورة بحق، أي نسقا دلاليا/ تواصليا أشدّ الارتباط بالنسق الفكري السائد و القيم و الدلالات التي ينتجها هذا النسق.
هذه النتيجة التي توصّل إليها "بارت" ستكون محورا مركزيا لتحريك التدليل في هذا البحث، أي سيتم تفكيك الصور فيه بالتركيز على عاملين هامين:
1- التاريخ
2- قوة أو قصدية التواصل.
2- تحليل صور سقوط تمثال الرئيس العراقي:
مهما اختلفت تسميات"الإطاحة بالنظام العراقي" في مختلف القنوات إلاّ أنّ هناك صورا حفرت في الأذهان تبين مدى إتقان الطرف الأمريكي لقوانين اللّعبة الإعلامية، لذلك فقد اتّسمت الحرب على العراق »بكثافة غير معتادة و تدفق غير مسبوق للأخبار و التقارير
و التعاليق و الصور، كما ظهرت في هذه الحرب تكنولوجيا متطوّرة جعلت منها حدثا بصريا و تكنولوجيا استثنائيا (13)« .
عمد الإعلاميون الملحقون بقوات التحالف على إلتقاط "6 صور" واحدة مركزية رمزها (image3pri) و "5 صور" ثانوية تؤسس للصورة المركزية، مع خريطة توضح موقع سقوط صنم الرئيس و المناطق المجاورة له(pic15c)، حيث بثّت في ظرف بسيط يقدّر بحوالي "ثلاث دقائق" ضمانا لردّ الفعل:

Image3pri

Image2 image 1 image4

Image6 image5

Pic15c

أعقب الإعلاميون هذه الصور بصورة أخرى رمزها (image x) ترصد مشهد عراقيين يستولون على مخازن للأغذية و بعض مباني حزب البعث:

Image x

يمكننا أن نرتب الصور كالآتي:

Image 1: الجنود الأمريكيون يوثقون تمثال الرئيس العربي صدام للإطاحة به.
Image 2: التمثال يوشك إلى السقوط.
Image 3pri: التمثال يهوي على الأرض، الجندي و الشعب سعداء بذلك.
Image 4: العراقيون يدوسون على رمز نظامهم و البهجة بادية عليهم.
Image5: نصف التمثال محطم.
Image6: التمثال مهشّم قطع صغيرة.
Pic15c: خريطة توضح موقع سقوط التمثال و المناطق المجاورة.
Image x: العراقيون يستولون على مخازن للأغذية و مباني لحزب البعث.

سنستند في التحليل على طرح "LAURENT GERVEREAU" في كتابه "voir, comprendre, analyser les images" و يمكننا أن نلخص مراحل التحليل في المخطط الآتي(14):

سيرتكز التحليل الآتي على الصورة المركزية لتصبح جميع الصور الأخرى مساندة في التأويل:
2-1- مرحلة وصف الصورة المركزية"image3pri":
• الجانب التقني:
- المرسل: الإعلاميون الملحقون بقوات التحالف(أمريكي-بريطاني).
- تعيين نوع المرسل: عسكري.
- تاريخ إنتاج الصورة: يوم 9 أفريل 2003 و هو نفس اليوم الذي أسقطت فيه القوات الأمريكية البريطانية التمثال، حيث تمّ تصوير جميع مراحل إسقاطه كما هو موضّح في الترتيب الآنف الذكر و هذا حرصا من القوّات على نقل حدث انتصارها على الشرق و لو رمزيا.
- نوع ركيزة الصورة: صور ملوّنة بالكاميرا الرقمية.
- قياساتها:
Dimensionnement et rotation :
Hauteur : 9.67 cm
Rotation : 0
Lageur : 9.88 cm
Echelle :
Hauteur : 100%
Largeur : 100 %
- موقعها: ساحة الفردوس حاليا، و كانت تسمى سابقا بساحة الجندي المجهول.
• الجانب الأسلوبي(فني):
- الألوان الغالبة و قصديتها:
لا يقوم اللّون في الصورة الفوتوغرافية بوظيفة زخرفية مثلما هو في باقي الأشكال، رغم أنّ المصوّر عادة لا يختلق الألوان مثلما هو الحال عند النحات أو الرسّام التشكيلي، لكنّه يستند إلى محورين هامين هما:
1- الصورة بالأبيض و الأسود أو الملوّنة.
2- الإضاءة و العتمة.
لكن رغم ذلك فإنّ الصورة محل الدراسة image3pri قد تأسست على ثلاث ألوان واضحة:
الأصفر/ الأخضر العسكري / الرمادي القاتم. فقد التقى الأصفر الذي يعد (لونا ساخنا نشيطا قويا متقدّما)(15) مع اللّون الأخضر الذي (يعد لونا باردا)(16)، و بذلك يشكل حدّة في البصر، مثلما تلتقي التيارات الحارّة بالباردة.
كذلك اللّون الأخضر هنا دال على الحرب و القوّة العسكرية و الغطرسة، فهو لباس الجندي الأمريكي الذي يدّعي إقامة العدل بالسلاح، و إذّاك يتحوّل اللّون ذو دلالة مزدوجة تجمع بين الضدين و هنا يخلق مفارقة لونية.
• الجانب الموضوعاتي:
- عنوان الصورة:
لفت انتباه المشاهدين في الوطن العربي الاختلاف أو التباين في تسميات التغطية الإعلامية للحرب و حتّى في المصطلحات التي وقع اختيارها للإشارة إلى الحرب؛ فمثلا في قناة الجزيرة نقرأ: "الحرب على العراق"، في قناة أبو ظبي"الحرب"، في العربية "حرب الخليج الثالثة"، في قناة المنار"العدوان الأمريكي"، في المستقبل "العراق في مهب الحرب"، و في الحياة آل بي سي LBC "حرب على العراق"(17).
لكن الصورة محلّ الدراسة "image3pri " جاءت بعنوان "سقوط النظام العراقي" دون تقرير مرفق، حيث تعمّد المصوّر أن ينقلها صامتة باردة، و مباشرة على القنوات العربية الإخبارية، و هذا تجسيدا لنظرية "ماكلوهان" في الإعلام و الاتصال حيث يعتقد
( أنّ الاتصال الساخن يتعلّق بعالم المكتوب)(18) بينما تكون الصورة التلفزيونية الصامتة وسيلة باردة، » فكلّما كانت الوسيلة باردة، بدت الحاجة إلى تزويد الجمهور بمعلومات أكثر. (19)«
فكأنّ مصوّر قوّات التحالف يتعمّد تقزيم الحدث و تقزيم الصورة أيضا، فيبدو غير مهم لدرجة كبيرة، بل هو نتيجة طبيعية و نهاية طبيعية أيضا لنظام عربي مستبد، فكأنّ قوات التحالف هي المسؤول الوحيد و الأمثل عن إقامة العدالة في الأرض و ردّ الحقوق المسلوبة إلى أهلها عن طريق السلاح و القوّة و الموت.

- رصد الرموز المهيمنة و تأويلها:
إنّ قراءة الصورة الفوتوغرافية( الإعلامية خاصة أيام الحرب) ليست جردا- فحسب- لدوالها التقريرية، بل هي بحث عن مدلولاتها الإيحائية للوصول إلى النسق الأيديولوجي الذي يتحكّم في علاماتها، و بذلك يكون الوصول إلى ما يسميه "بارت" أسطورة(20).
لقد تعمّد مصوّر قوّات التحالف في الصورة image3pri تقزيم "جامع 14 رمضان"
و تضخيم رأس الجندي الأمريكي المبتسم، و التمثال العربي يهوي و الحبل يشدّه إلى أسفل بالجرارات، و الشعب العراقي يبارك هذا السقوط من بعيد دون أن يتدخّل في هذا الحدث التاريخي، و النخيل الشامخ يشهد هذا السقوط.
فالجامع رمز لحضارة أعطت كثيرا و طوال عقود مضت للعالم أجمع، و هاهي هذه الحضارة تسقط على يد الجنود الأمريكيين، إنّه يوم يساوي في قساوته سقوط بغداد على يد المغول، ليس لأنّه نظام عادل لا يستحق تلك الإهانة، و لكنّه كان الأجدر بهذا الشعب الذي يقف بعيدا أن يكون هو المسؤول عن هذه اللّحظة، لكي لا يتحمّل بعدها ما هو أمر و أقسى.
لقد اكتفت جموع العراقيين بالقفز و الدوس على التمثال، و هو على الأرض مثلما هو موضّح في الصورة (Image4) ، حيث ابتعد الجنود الأمريكيون بعد إنهاء مهمّتهم، لتنقل الصورة(Image 4) العلاقة الحقيقية التي تحكم الحاكم العربي بالمحكوم.
إنّها علاقة مهزوزة مبنية على الكره و الانتقام و الغطرسة و الاستبداد و الظلم، مصيرها نهاية مأسوية يشهد عليها العالم بأسره.
2-2- مرحلة دراسة السياق:
• السياق القبلي ( الظاهر) Contexte En Amont:
- مموّل المنتـج:
عمدت و.م.أ. و بريطانيا لدعم الحرب على العراق، و تغطيتها إعلاميا لتتحوّل هي الوحيدة المسؤولة عن تسويق الخبر، فـ »كانت ثورة على أكثر من صعيد، أحدثت خروقا حادة في نسيج القيم (21)« . كما عملت على تكوين رأي خاص يقنع المتلقي العربي و الغربي
- و تحديدا الأمريكي- بمشروعية هذه الحملة العسكرية و دورها في تحرير الشرق الأوسط من أنظمة سياسية استبدّت بالحكم منذ مدّة طويلة و أيضا "من أجل تأسيس شرق أوسط جديد".
لقد بدا الجنود الأمريكيون في الصورة(Image 1) حريصين على هذه الرسالة، فقد أحكمت الحبال على رقبة التمثال، ليكون إسقاط صنم الرئيس المخلوع و تهشيمه رسالة مهمّة في حد ذاتها و إشارة مهمّة تعلن الفوز رمزيا ثمّ واقعيا على حضارة الشرق.
هكذا وظفت قوات التحالف الإعلام المرئي لدعم مهمتها في الشرق الأوسط ليقوم بوظيفة إستراتيجية تواصلية إقناعية في الآن ذاته فعملت على نقل الحدث خطوة بخطوة كما هو موضّح في الترتيب الذي أوردناه في البحث، و هذا لتضع الحدث بكافة تفاصيله في حوزة المتلقي رغبة في ممارسة ضغط إيجابي عليه، بل ربّما لتكسبه في هذه المعركة الحاسمة حتّى و إن كانت الإدارة الأمريكية لا يهمّها ذلك كثيرا.
- التقرير المرفق للصورة:
أوردنا هذا العنصر ضمنيا في الجانب الموضوعاتي حين تطرّقنا لعنوان الصورة، و أوضحنا أسباب غياب التقرير المرفق.
• السياق البعدي ( الباطن ) "Contexte En Aval"
- توقيت بث الصورة و قصديته:
» تكمن الفوتوغرافيا- حسب بارت- في نوعية الوعي الذي تحرّكه أو تصنعه (22)« ، لذلك فهي تخضع لعدّة مقاييس فنّية و غير فنية لتحقق أهدافا محدّدة خاصة أيّام الحرب، فتبدو لحظة الإنتاج و لحظة البث مهمتين في تحديد قوّة الوقع لدى المتلقي.
نقلت CNN و BBC صور سقوط النظام العراقي مباشرة عبر القنوات العربية الإخبارية لضمان رد فعل قوي مفاجئ، كما أغفلت هاتين القناتين في البث الداخلي وجود الجنود الذين سحبوا التمثال- حسب تصريح "إيمي جودمان" مديرة برنامج الديمقراطية في القنوات الأمريكية لقناة الجزيرة(23).

2-3- مرحلة التأويل:
• الدلالة الأوّلية/ الدلالة النهائيّة:significations initiales/ ultérieures
- تأويل الصورة أثناء التسويق:
لقد حاول مصوّر قوّات التحالف أن ينقل نشوة الانتصار على حضارة الشرق، فاستغل كل طاقاته التقنية لإنجاح الوقع، لم يكن وقعا جماليا فحسب، بل وقعا حضاريا و تاريخيا، لتصبح الصورة هي الإعلان الرسمي عن سقوط النظام العراقي.
فضحت الصورة الثقافة/ الأيديولوجيا/ الأسطورة التي تختبئ وراء ما يقدّم على أنّه ذو طبيعة إعلامية و التي يفترض أن تكون شفافة صادقة لا تتحيّز إلى أي طرف من أطراف الصراع... لكنّها تنازلت عن هذه الوظيفة لتحقق غايات أخرى و مصالح أخرى لطرف محدّد ينتجها و يسوّقها وفق قناعاته. و بذلك كانت الدلالة الأوّلية هي دلالة المنتج المسوق، أما الدلالة النهائية فهي مزدوجة بين متلق غربي و آخر عربي، غربي يرى في هذا السقوط إنصافا و تحقيقا للعدالة و الديمقراطية، و عربي يعتبر هذا انتهاكا لحرية الشعوب أكثر ممّا هو استرداد لكرامتها التي أهانتها الأنظمة المستبدة.

• خاتمة أو وجهة نظر:
توصّل البحث للنتائج الآتية :
- تحوّلت الصورة الفوتوغرافية الإعلامية في هذا المقام لغة و لغة شارحة في آن،
و بذلك تكون هذه النتيجة وسطا بين طرح "رولان بارت" و "ايريك بويسونس" و يكون تحليلها لغة واصفة لخطاب واصف.
- لا يقوم اللّون في الصورة الفوتوغرافية بوظيفة زخرفية مثلما هو في باقي الأشكال، بل هو يعمد إلى مفارقة لونية ثمّ دلالية.
- جاءت الصورة محل الدراسة دون تقرير مرفق، حيث تعمّد المصوّر أن ينقلها صامتة باردة و مباشرة على القنوات العربية الإخبارية لتحقق وقعا أقوى.
- جسّدت الصورة العداء الطويل بين الحضارتين لتنقل الفرحة بالانتصار، و تصبح أيضا شاهدا على علاقة الحكّام العرب برعيّتهم.

الهوامش
(1) MARTINE JOLY, introduction à l’analyse de l’image, Nathan université, France, 1998, page :5.
(2) قدور عبد الله ثاني، سيميائية الصورة، في الموقع:
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
(3) الموقع نفسه.
(4) محمد الزياني و آخرون، العرب و الإعلام الفضائي، مركز دراسات الوحدة العربية، ط1، بيروت، 2004، الصفحة: 104.
(5) MARTINE JOLY, introduction à l’analyse de l’image, page : 8.
(6) محمد العماري، الصورة و اللّغة في الموقع:
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] n13_090mari.htm
سحبت في 26 كانون الثاني(يناير) 2005 على الساعة 15:11:44 GMT
(7) الموقع نفسه.
(8) الموقع نفسه.
(9) عبد الرحيم كمال، سيميولوجيا الصورة الفوتوغرافية "بارت نموذجا" في موقع الكاتب المغربي: محمّد أسليم:
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] " target="_blank">[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] /" target="_blank">[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] " target="_blank">[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] /
(10) أحمد يوسف، السيميائيات الواصفة "المنطق السيميائي و جبر العلامات"، الدار العربية للعلوم/منشورات الاختلاف/المركز الثقافي العربي، بيروت/الجزائر/المغرب، ط1، 2005، الصفحة: 145.
(11)ROLAND BARTHES, l’aventure sémiologique, seuil, paris, France, octobre 1985, page :

(12) ROLAND BARTHES, mythologie, seuil, paris, France,1957, page : 200.

(13) محمد الزياني و فيصل القاسم و آخرون، العرب و الإعلام الفضائي، "الفضائيات العربية و تغطية الحرب على العراق"، الصفحة: 103.
(14) LAURENT GERVEREAU, voir comprendre analyser les images, éditions la découverte, paris, troisième édition, 2000, pages : 89-90.
(15) د/ محمد خان، العلم الوطني " دراسة للشكل و اللّون"، محاضرات الملتقى الوطني الثاني"السيمياء و النص الأدبي"، دار الهدى للطباعة و النشر و التوزيع، الجزائر، الصفحة: 17.
(16) المرجع نفسه، الصفحة: 17.
(17) محمّد الزياني و آخرون، العرب و الإعلام الفضائي، الصفحة: 120.
(18) ينظر: المرجع نفسه، الصفحة: 13.
(19) المرجع نفسه، الصفحة: 13.
(20) عبد الرحيم كمال، سيميولوجيا الصورة الفوتوغرافية "بارت" نموذجا، في الموقع:
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] " target="_blank">[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
(21) عبد الرحمان عزّي/فيصل القاسم، العرب و الإعلام الفضائي، الصفحة: 7.
(22) عبد الرحيم كمال، سيميولوجيا الصورة الفوتوغرافية " بارت نموذجا"، في الموقع:
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] " target="_blank">[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
(23) قناة الجزيرة حصّة "بلا حدود" التوقيت 12.00- 13.00 يوم 24/08/ 2006 تنشيط جمانة نمور.

» خاص ماجستير تخصص سميولوجيا الاتصال- سيميائية الصورة
» سيمولوجيا الصورة
» وسائل الاعلام و الصورة الذهنية
» سيميائية الصورة للمقبلين عل ماجيستر تخصص سيميولوجيا
» سيميائيات الصورة ( بين آليات القراءة وفتوحات التأويل )